ما سأحدثكم عنه هو بالفعل حقائق ماثلة للعيان، أبطالها هؤلاء الشباب الذين انخرطوا في الفئة الضالة، أمضوا زهرة شبابهم في متنزهات زعموا أن منها رائحة الجنة، ومثول العين الحور أمامهم وهم في مقدمة المعركة في جبال أفغانستان واليمن مع الحوثي أو المشاركة في الدفاع عن الإسلام في البوسنة والهرسك، كانت شجاعة هؤلاء هي التي جعلتني أروي تلك القصة التي عَنْونت لها بقصة التطرف، وهو العنوان الذي شهدته جامعة القصيم بتنظيم من وحدة الأمن الفكري بالجامعة، وعرضت هذه القصص أمام آلاف الطلبة والطالبات، فكانت شجاعة من هؤلاء الإخوة الذين تخرجوا من مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية، ولكنهم نذروا أنفسهم أن يكونوا رجال توعية في المنتديات وعلى أجهزة التلفزيون ليكونوا عبرةً لمن تسوّل له نفسه الإقدام على هذا العمل المظلم، فها هي قصتهم وماذا قالوا.
يحكي الأول منهم وهو الآن رجل تسويق كبير بالمنطقة الشرقية، يقول كانت سني ما بين 15-17 عرضت نفسي أن أدافع عن ديني وأمتي، لاحظوا فلم يقل وطني لكونه خرج بنية الدفاع عمن وقع عليه الظلم في البوسنة والهرسك في حوالي عام 1995، لم يستأذن من والديه، بل لم يبلغهم حتى برسالة، دفعه لذلك الحماس والشوق إلى رؤية الحور العين في جبال أوروبا، ولكن بعد عودته إلى المملكة أراد أن يرسل برقيات لإخوانه الشباب ولمجتمعه ولأسرته الذي فقَدها أكثر من 14 عاما.
يقول في حياتي لحظات ندم وخسارة عمر أضعتها في أوهام رائحة الجنة التي وُعْدنا فيها من قبل بعض الدعاة الذين ضلّلونا، ودليلي على ذلك أنهم منعوا أبناءهم حتى ركوب الخيل خوفا على موتهم، فكيف يزج بهم في مراتع الحروب؟ وأين في حرب خاسرة لا يعلم مداها إلا الله، ولم نر حورا عينا ولا رائحة جنة، بل رأينا قتلا وتشريدا وفقرا وكذبا، فقد رأيت من بُتْرِت رجله ويصبّ زجاجة عطر عليها حتى يشَّم رائحة الجنة، حسب زعمه الكاذب، ويومها كأن جرس إنذار يدق قلبي عندها أقسمت بالعودة إلى وطني وبلدي، بلاد الحرمين بعد أن انجلت عني غُمة الرجل المزعوم في هذه الحروب، وفعلا لقيت صدرا رحبا من رجال أمننا وقيادة رحيمة عطوفة تبذل نفسها حبا لمواطنيها، فيكف بَمن عاد تائبا راجعا بندم، أمضيت فترة في المركز لأجد تنوعا في الرعاية والتوجيه والدورات التدريبية والمساعدة في فرصة البحث عن العمل حتى إنني فزُت بهذا الموقف أمامكم اليوم في جامعة القصيم لأحكي قصة تطّرفي بكل شجاعة ووطنية، إخلاصا لله ثم ولاء وحبا لوطني وأهلي، وهي كلمة واحدة خذوها عني إنها بلدكم الآمن المستقر، وهناك جحيم لاَ يُطاق ودجل مزعوم، عافانا الله وإياكم منه، وخذوا هذا الدرس مني أيها الأحباب وحافظوا على وطنكم.
ثم بدأت قصة تطرف أخرى من عائد آخر من جبال اليمن مكث لدى الحوثيين فترة، أصبح يرى فيها قطع الليل المظلم في وضح النهار يوم أن طلب مني أحد الحوثيين ممن يقوم بتدريبي، فقال لن تعود إلا وأنت مدرب على كل أنواع الأسلحة الإيرانية، ويوم أن انكشف الغطاء وتبين أنهم يخططون لبلادي، عندها خالفت أوامرهم فما كان إلا أن قاموا بتمزيق وثائقي الثبوتية حتى لا أرجع، عندها عزمت على السفر ليلا عبر حدودنا وجبالنا حتى وصلت إلى بلدي بأمن وسلامة وتلقيت جزائي فترة من الوقت، لكنها تعتبر عظة لي ولغيري، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، رجعت ووجدت حكومة رحيمة أدْركوا صدقي، فكانت جائزتي العودة إلى تبوك وإلى مقر عملي بالجامعة، واستلمت إدارة التوعية الفكرية التي تعمل على مكافحة الفكر الضال وإرشاد من يتورط -لا قدر الله- في هذه المتاهات، والرجوع إلى الحق وإلى علمائنا وقادتنا وولاة أمرنا، لنأخذ عبرة من هذا الموقف الذي أعرضه عليكم في قصة تطرفي، وشكرا للجامعة، وأنا أقول شكرا لهذه الجرأة والثبات، وفق الله كل مخلص وهدانا سواء السبيل.
ـــــــــــ
سليمان العيدي
صحيفة الوطن