خلال الأشهر الماضية بحثت كثيرا في مجال ترجمة الأدب الصيني إلى العربية، فوجدت عدة إصدارات أدبية صينية مترجمة إلى اللغة العربية، كان الشيء المشترك الوحيد بينهما هو اسم الدكتور عبدالعزيز حمدي، رئيس قسم اللغة الصينية في جامعة الأزهر، وهو الأستاذ الوحيد أيضا في هذا التخصص، والذي طالب إدارة جامعة الأزهر أكثر من مرة بالتعاقد مع أساتذة صينيين لتدريس الطلاب بالجامعة، ولكن نظرة إدارة الجامعة الضيقة لأهمية تعلم اللغة الصينية حالت دون ذلك، مما جعل الدكتور عبدالعزيز ينتقل إلى الجامعة الأميركية في القاهرة كمدير لبرنامج الترجمة.
رغم غزارة الأدب الصيني إلا أن ترجمته إلى اللغة العربية شحيحة جدا، يقوم بها الدكتور عبدالعزيز حمدي بجهد فردي دون أي دعم، فقد ترجم رائعة الأدب الصيني "على قيد الحياة"، للروائي يو هوا من خلال سلسلة إبداعات عالمية، وترجم كتاب تاريخ تطور الفكر الصيني، و"الطفلة العروس"، وهي مجموعة من القصص المختارة للكاتب الصيني شين تسونج، والذي حقق مبيعات مرتفعة في أحد مواسم معرض الشارقة للكتاب، وترجم كتاب "صينيون معاصرون"، ومسرحية الكاتب الصيني الشهير لا وشه "المقهى"، ومسرحية شروق الشمس للكاتب المسرحي الصيني تساو يو الذي حرص على لقائه، واستطاع أن يلتقيه ثلاث مرات ليسأله عن بعض أجزاء المسرحيات حتى ينجح في ترجمتها بشكل صحيح، حتى كان آخر لقاء قبل وفاة تساو يو بثلاثة أسابيع، عندما زاره وهو على السرير الأبيض في أحد المستشفيات بالصين، لم يحرص فقط على لقاء تسو يو، بل كل المؤلفين الذين يترجم لهم وهم على قيد الحياة، فكان يحرص على لقائهم أكثر من مرة، أما المؤلفون الذين يترجم لهم وهم قد فارقوا الحياة فقد كان يحرص على لقاء أقاربهم، ليعرف أكثر عن هذا المؤلف، وترجم أيضا مسرحية "تسايون جي" للكاتب المسرحي "قوه موه روه" الذي يقدم صورة للمرأة الصينية، وعندما أعلنت نوبل أن جائزتها الأدبية من نصيب الروائي الصيني مو يان صاحب رواية "الضفدع" عام 2012 بادر حمدي مباشرة للتواصل معه لترجمة الرواية إلى العربية، وما سبق من ترجمات، ليس إحصاء لكل الكتب التي ترجمها الدكتور عبدالعزيز، بل جزء منها، وهو جهد كبير امتد خلال 30 عاما منذ 1986 عندما ترجم أول عمل من الصينية إلى العربية مباشرة.
الترجمة هي من أهم وسائل التواصل بين الشعوب، ولعبت عبر التاريخ دورا مهما في نقل المعارف والعلوم، ونحن في هذا العصر الذي تطورت فيه العلاقات العربية الصينية بشكل كبير، بحكم الواقع الاقتصادي، نجد هناك فجوة كبيرة في مجال الترجمة الصينية العربية. لا يوجد سوى طالب سعودي واحد فقط يدرس الدكتوراه على حسابه الخاص في مجال الترجمة الصينية في إحدى المقاطعات الصينية، وطالب سعودي فقط يدرس الترجمة الصينية في مجال الماجستير أيضا على حسابة الخاص، وترفض وزارة التعليم ضمهما لبعثة خادم الحرمين بحجة عدم الحاجة للتخصص، ولم أجد من أحدهما أي اهتمام بمجال ترجمة الأدب، ويتركز اهتمامهما في ترجمة ما يتعلق بالمجال التجاري كالعقود، وخدمات الترجمة للوفود التجارية، وعليهما إقبال كبير من الغرف التجارية السعودية لكثرة الاجتماعات مع القطاعات الاقتصادية والشركات في الصين، ويحققان دخلا ماديا جيدا من هذا العمل، أما ترجمة الأدب التي لا تحقق الدخل المادي في عالمنا العربي، بل تتطلب الصرف عليها من الجيب الخاص فلم يخترها سوى الدكتور عبدالعزيز حمدي البعيد عن الأضواء، والذي يعمل بصمت كبير على ترجمة أهم ما أصدره الأدباء الصينيون عبر التاريخ، ومن منبر الرأي في صحيفة "الوطن" أنحني احتراما لهذا الرجل المخلص، وأطالب بتكريمه على مستوى جامعة الدول العربية، وعلى مستوى منتدى الصداقة العربية الصينية، كأبسط أمر يجب أن نقدمه لمترجم عربي وحيد للأدب الصيني.
ــــــــــــ
فهد عريشي
صحيفة الوطن