صحيفة الرياض أميمة الخميس
يعود التاريخ دوما إلى نجران كي يكتشف خارطته الجينية الأولى، وفي وادي المؤمنين تتأهب القوافل لتصنع من البشر شعوباً وقبائل وأعراقاً من ثم هناك تتوزع الأدوار في دراما التاريخ.
نجران عش النسور، لوغريثم الحضارات، سور عكا وقد تمنطق بحزام من فضة..
نجران مضغة من وطن، ووعود حقول ذرة لا تكف عن ارتكاب بهائها مع كل استدارة قمر..
نجران سرب طيور يحل ومن ثم يغويه الأفق من جديد، ليستوطن سرب آخر قد استطاب المكان، موج وارتدادات أعراق لا تلبث طويلاً حتى تتآكلها نيران الرحيل..
ونجران نجمة استدرجت وغرست فوق جبل..
هل أصبحنا نطل على أنحاء الوطن من نوافذ الأخبار؟ ونكتشف قراه الوادعة الحالمة عبر بوابات الدواهي كالدالوة والقديح؟
لكن أزعم أنني محظوظة لأنني تعرفت على نجران عبر دروب العربات الجليلة المذهبة مرتين، الأولى عندما زرتها قبل ثلاثة أعوام فأخبرتني كيف تطرز القبائل هناك شرفات الجبال بالعنفوان، كيف يسقى النخيل بماء البرق، وكيف يظل التاريخ يحكي عبر لغات شتى..
والمرة الثانية التي تعرفت بها على نجران كانت عبر رواية ابنتها فاطمة آل تيسان (وادي المؤمنين) وليس هناك أبهى وأصدق وأكثر جلالاً من إطلالة على مدينة عبر صفحات رواية.
حيث تهدي روايتها (لتلك الأرواح التي غمرت المكان واستودعته حكاياتها، إلى أجدادي الراحلين أهدي نبض الوادي وذكرياته)..
فاطمة فقط توارب الباب.. وعلينا نحن أن نتسلل لنكمل فسيفساء الحكاية.. هناك في الوادي.. قصاصات التاريخ، (أقوام حلت هنا ثم لعبت بهم المغامرة وغادروا مخلفين مآثرهم وأساطيرهم، سيف بن ذي يزن وعليا، ورائحة السدم، والثعبان الذي يحرس الجوهرة ويستمرئ الكر والفر، والبنيات الباسقات اللواتي يفقن عشرة ذكور/ والغدير الذي يلتهم البنات / وعنفوان زهرة يخاتل كبرياء سالم/ والعجوز حكيمة الاستشفاء).. الرواية تستأمنك باقة من الحكايات منبثقة من جرح وحنين الحكايا الشعبية.
الرواية هي عرافة المدن،ان كان التاريخ يهزج بقصائد المنتصر، لكن الرواية تسرب التاريخ كما عكسته مرايا الصبح.
فاطمة آل تيسان في روايتها جعلتني أستعيد نجران قطرة اثر غيمة غيمة اثر غدير.. غدير ينبض حتى يغدو وادياً.. وادياً للمؤمنين..
نجران مضغة قلب الوطن.. هانحن بدأنا نجمع الغيم.. ونقطف النجوم.. استعداداً لاحتفالنا ببيارق نصرك..